من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
الإسلام بين الغلو والجفاء والإفراط والتفريط
17897 مشاهدة
ثانيا: فيما يتعلق بالأعمال

وهكذا في مجال الأعمال فكان الإسلام وسطا بين اليهودية، والنصرانية ولإيضاح ذلك نذكر بعض الأمثلة المختصرة على ذلك:
المثال الأول:
فاليهود يرون الطلاق ولا يرون الرجعة، فلو طُلِّقت الزوجة فلا رجعة عليها لزوجها.
أما النصارى فيرون أن لا طلاق، فمتى عُقد للإنسان فلا طلاق له، ولا يحق له الطلاق.
وجاء الإسلام فتوسط، وجعل للإنسان أن يطلق للحاجة متى شاء، وأن يراجع بعد الطلقة الأولى، وبعد الثانية .. فقد يتعجل الإنسان في أمر لا بد فيه من الأناة فيتلافى ذلك بعد حين.
المثال الثاني:
اليهود يرون القصاص في القتل حتما وليس هناك مجال للعفو؛ بينما يرى النصارى العفو حتما.
فجاء الإسلام بالتخيير، وذلك بتخيير ولي المقتول بين القصاص، وبين العفو وأخذ الدية، أو العفو مطلقا فصار بذلك متوسطا، لا إلزام بالعفو، ولا إلزام بالقصاص، بل توسط بينهما.
المثال الثالث:
كذلك جاء الإسلام أيضا بالتوسط في أحكام المجازاة ونحوها. فقد أباح الله -سبحانه وتعالى- المجازاة على الأعمال بمثلها، كما في قوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ .
كما أباح للإنسان أن يعاقب من يعتدي عليه بالمثل، في قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ أي بالمثل فقط لا بالزيادة، ولكنه فضّل الصبر لقوله: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ .
لكن دين النصارى يأمرهم بأن يعفوا، وأن لا ينتصروا ولا ينتقموا لأنفسهم أبدا؛ ودين اليهود يحتم عليه بأن يستوفي وأن يقتص.
فالإسلام جاء بهذا الدين، الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.